عصيانكم ـ مثل منع لحم الأباعر وبعض شحوم الحيوانات وبعض الطيور والأسماك ـ (وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِى حُرّمَ عَلَيْكُمْ).
ثم مرّة اخرى تتكرّر الجملة التي قرأناها على لسان المسيح في الآية السابقة : (وَجِئْتُكُم بَايَةٍ مِّن رَّبّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).
وفي الآية الثانية تؤكد على لسان السيد المسيح عليهالسلام عبودية المسيح لرفع كل إبهام وريب قد ينشأ من كيفية ولادته التي قد يتشبث بها البعض لإثبات الوهيته وتقول : (إِنَّ اللهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ). يتضح من هذه الآية ومن آيات اخرى أنّ السيد المسيح لكي يزيل كل إبهام وخطأ فيما يتعلّق بولادته الخارقة للعادة ولكي لا يتخذونها ذريعة لتأليهه كثيراً ما يكرر القول : (إِنَّ اللهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ) و (إِنّى عَبْدُ اللهِءَاتنِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا) (١). بخلاف ما نراه في الأناجيل المحرّفة الموجودة التي تنقل عن المسيح أنّه كان يستعمل «الأب» في كلامه عن الله ، إنّ القرآن يذكر «الرب» بدلاً من ذلك : (إِنَّ اللهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ). وهذا أكثر ما يمكن أن يقوم به المسيح في محاربة من يدّعي الوهيّته ، بل لكي يكون التوكيد على ذلك أقوى يقول للناس : «فَاعْبُدُوهُ». أي اعبدوا الله ولا تعبُدوني.
ولذلك نجد أنّه لم يكن أحد من الناس يتجرأ في حياة السيّد المسيح أن يدعي الوهيته أو أنّه أحد الآلهة وحتى بعد عروجه بقرنين من الزمان لم تخالط تعليماته في التوحيد شوائب الشرك ، إلّاأنّ التثليث باعتراف أرباب الكنيسة ظهر في القرن الثالث للميلاد (وسيأتي تفصيل ذلك في ذيل الآية ١٧١ من سورة النساء).
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (٥٤)
كان اليهود ينتظرون مجيء المسيح عليهالسلام بموجب ما بشّرهم به موسى عليهالسلام قبل أن يولد ولكنه عندما ظهر وتعرّضت مصالح جمع من الظالمين والمنحرفين من بني إسرائيل للخطر لم
__________________
(١) سورة مريم / ٣٠.