يبق معه إلّانفر قليل ، بينما تركه الذين احتملوا أن يؤدّي قبولهم دعوة المسيح والتقيّد بالقوانين الإلهية إلى ضياع مصالحهم.
بعد أن أعلن عيسى دعوته وأثبتها بالأدلة الكافية ، أدرك أنّ جمعاً من بني إسرائيل يصرّون على المعارضة والعصيان ولا يتركون المعاندة والانحراف : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ). فنادى في أصحابه و (قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ) (١). فاستجاب لندائه نفر قليل ، كانوا أطهاراً سمّاهم القرآن ب «الحواريين» لبّوا نداء المسيح ولم يبخلوا بشيء في سبيل نشر أهدافه المقدسة.
أعلن الحواريون استعدادهم لتقديم كل عون للمسيح عليهالسلام وقالوا : (نَحْنُ أَنصَارُ اللهِءَامَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
لاحظ أنّ الحواريين قالوا : نحن أنصار الله ننصر دينه. بل لكي يعربوا عن منتهى إيمانهم بالتوحيد وليؤكّدوا إخلاصهم ولم يقولوا : نحن أنصارك.
وبعد أن قبل الحواريون دعوة المسيح إلى التعاون معه واتخاذه شاهداً عليهم في إيمانهم ، اتّجهوا إلى الله يعرضون عليه إيمانهم قائلين : (رَبَّنَاءَامَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ). ولكن لما كانت دعوى الإيمان لا تكفي وحدها ، فقد اتّبعوا ذلك بقيامهم بتنفيذ أوامر الله واتّباع رسوله المسيح وقالوا مؤكّدين : (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ).
عندما يتغلغل الإيمان في روح الإنسان لابدّ أن ينعكس ذلك على عمله ، فبدون العمل يكون إدّعاؤه الإيمان تقوّلاً ، لا إيماناً حقيقياً.
بعد ذلك طلبوا من الله قائلين (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ). والشاهدون هم اولئك الذين لهم صفة قيادة الامم ، ويوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة والسيئة.
وبعد أن إنتهى الحواريون من شرح إيمانهم ، أشاروا إلى خطط اليهود الشيطانية ، وقالوا : إنّ هؤلاء ـ لكي يقضوا على المسيح عليهالسلام وعلى دعوته ويصدّوا انتشار دينه ـ وضعوا الخطط الماكرة ، إلّاأنّ ما رسمه الله من مكر فاق مكرهم وكان أشدّ تأثيراً : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
__________________
(١) التعبير ب «أحسّ» مع أنّ الكفر أمر باطني لا يدرك بالحواس قد يكون أنّ إصرارهم على الكفر بلغ مرتبة من الشدّة وكأنّه أصبح محسوساً (الميزان في تفسير القرآن ، ذيل الآية مورد البحث).