أمّا سبب تسمية تلامذة المسيح بالحواريين فقد ذكرت له احتمالات كثيرة ولكن الأقرب إلى الذهن وهو الوارد في أحاديث أئمة الدين ، هو لأنّهم فضلاً عن طهارة قلوبهم وصفاء أرواحهم ، كانوا دائبي السعي في تطهير الناس وتنوير أفكارهم وغسلهم من أدران الذنوب.
(إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥٥)
قلنا إنّ اليهود ـ بالتعاون مع بعض المسيحيين الخونة ـ قرّروا قتل السيد المسيح ، فأحبط الله مكرهم ونجى نبيّه منهم ، في هذه الآية يذكر الله نعمته على المسيح قبل وقوع الحادثة ، قائلاً : (إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنّى مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ).
من المعروف عند المفسرين ، بالإستناد إلى الآية (١٥٧) من سورة النساء ، أنّ المسيح لم يُقتل وأنّ الله رفعه إلى السماء.
ثم تضيف الآية : (وَمُطَهّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). هذا جانب آخر من خطاب الله إلى المسيح ، والقصد من التطهير هنا هو إنقاذه من الكفار الخبثاء البعيدين عن الحق والحقيقة الذين كانوا يوجّهون إليه التهم الباطلة ، ويحوكون حوله المؤامرات ساعين إلى تلويث سمعته فنصر الله دينه وطهّره من تلك التهم.
(وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيمَةِ).
وهذه بشارة يبشّر بها الله المسيح وأتباعه لتشجيعهم على المضيّ في الطريق الذي اختاروه ، والواقع أنّ هذه واحدة من آيات الإعجاز ومن تنبّؤات القرآن الغيبية التي تقول إنّ أتباع المسيح سوف يسيطرون دائماً على اليهود الذين عادوا المسيح.
وفي ختام الآية يقول تعالى : (ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). ويعني أنّ ما تقدم من الانتصارات والبشائر يتعلق بالحياة الدنيا أمّا المحكمة النهائية ونيل الجزاء الكامل فسيكون في الآخرة.
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨)