سَمْعِهِمْ وَعَلَى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) ولذلك استحقوا أن يكون (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
الإنسان قابل للهداية طبعاً ـ إن لم يصل إلى هذه المرحلة ـ مهما بلغ به الضلال ، أمّا حينما يبلغ في درجة يفقد معها حسّ التشخيص «فلات حين نجاة» لأنّه افتقد أدوات الوعي والفهم ، ومن الطبيعي أن يكون في إنتظاره عذاب عظيم.
بحوث
١ ـ سلب قدرة التشخيص ومسألة الجبر : أوّل سؤال يطرح في هذا المجال يدور حول مسألة الجبر ، التي قد تتبادر إلى الأذهان من قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ). فهذا الختم يفيد بقاء هؤلاء في الكفر إجباراً ، دون أن يكون لهم اختيار في الخروج من حالتهم هذه ، أليس هذا بجبر؟
القرآن الكريم يجيب على هذه التساؤل ويقول : إنّ هذا الختم وهذا الحجاب هما نتيجة إصرار هؤلاء ولجاجهم وتعنّتهم أمام الحق ، واستمرارهم في الظلم والطغيان والكفر ، يقول تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) (١).
هذه الحالة التي تصيب الإنسان ، هي ردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه.
من المظاهر الطبيعية في الموجود البشري ، أنّ الإنسان لو تعوّد على انحراف واستأنس به ، يتخذ في المرحلة الاولى ماهية ال «حالة» ثم يتحول إلى «عادة» وبعدها يصبح «ملكة» وجزء من تكوين الإنسان حتى يبلغ أحياناً درجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلّى عنها أبداً. لكن الإنسان إختار طريق الانحراف هذا عن علم ووعي ، ومن هنا كان هو المسؤول عن عواقب أعماله ، دون أن يكون في المسألة جبر ، تماماً مثل شخص فقأ عينيه وسدّ أذنيه عمداً ، كى لا يسمع ولا يرى.
ولو رأينا أنّ الآيات تنسب الختم وإسدال الغشاوة إلى الله ، فذلك لأنّ الله هو الذي منح الانحراف مثل هذه الخاصية. (تأمّل بدقّة).
٢ ـ الختم على القلوب : في الآيات المذكورة وآيات اخرى عبّر القرآن عن عملية سلب حسّ التشخيص والإدراك الواقعي للأفراد بالفعل «ختم» وأحياناً بالفعل «طبع» و «ران».
في اللغة «خَتَمَ» الإناء بمعنى سدّه بالطين أو غيره ، وأصلها من وضع الختم على الكتب
__________________
(١) سورة النّساء / ١٥٥.