ثم إنّه سبحانه يشير إلى نتيجة هذه الحوادث المؤلمة فيقول : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَءَامَنُوا). أي أنّ ذلك إنّما هو لأجل أن يتميز المؤمنون حقاً عن أدعياء الإيمان.
ثم إنّه في قوله : (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) يشير إلى إحدى نتائج هذه الهزيمة المؤلمة وهي تقديم المسلمين بعض الشهداء في هذه المعركة ، فيجب أن تعلموا أنّ هذا الدين لم يصل إليكم بالهيّن ، فلا يفلت منكم كذلك في المستقبل.
ثم إنّه تعالى يختم هذا الإستعراض للسنن والدروس والنتائج بقوله : (وَاللهُ لَايُحِبُّ الظَّالِمِينَ). فهو لا ينصرهم ولا يدافع عنهم ، ولا يمكّنهم من المؤمنين الصالحين العاملين بتعاليم السماء الآخذين بسنن الله في الكون والحياة.
أجل ، إنّ لمعركة «احد» وما لحق بالمسلمين فيها من هزيمة نتائج وآثاراً ، ومن نتائجها وآثارها الطبيعية أنّها كشفت عن نقاط الضعف في الجماعة والثغرات الموجودة في كيانها ، وهي وسيلة فعالة ومفيدة لغسل تلك العيوب والتخلّص من تلك النواقص والثغرات ، ولهذا قال سبحانه : (وَلِيُمَحّصَ اللهُ الَّذِينَءَامَنُوا) (١). أي أنّ الله أراد ـ في هذه الواقعة ـ أن يتخلص المؤمنون من العيوب ويريهم ما هم مبتلون به من نقاط الضعف.
وأمّا نتيجة هذه التربية والصياغة التي يتلقاها المؤمنون في خضم المحن والمصائب وآتون الحوادث المرّة فهو حصول القدرة الكافية لدحر الشرك والكفر دحراً ساحقاً وكاملاً ، وإلى هذا أشار بقوله : (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (٢).
ثم إنّه يفيدنا القرآن درساً من واقعة «احد» في تصحيح خطأ فكري وقع فيه المسلمون فيقول : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ). أي هل تظنون أنّكم تنالون أوج السعادة المعنوية بمجرد اختياركم لإسم المسلم ، أو بمجرد أنّكم حملتم العقيدة الإسلامية في الفكر دون أن تطبقوا ما يتبعها من التعاليم؟
لو كان الأمر كذلك لكان هيناً جدّاً ، ولكن ليس كذلك حتماً ، فإنّه ما لم تطبق التعاليم التي تتبع تلك المعتقدات ، في واقع الحياة العملية لم ينل أحد من تلك السعادة العظمى شيئاً.
وهنا بالذات يجب أن تتميز الصفوف ، ويعرف المجاهدون الصابرون عن غيرهم.
ثم إنّه كان هناك جماعة من المسلمين ـ بعد معركة «بدر» واستشهاد فريق من أبطال
__________________
(١) «المحيص» والمحص أصله : تخليص الشيء ممّا فيه من عيب.
(٢) «المحق» : النقصان ومنه المحاق لآخر الشهر إذا انمحق الهلال وامتحق وقل ضياؤه.