الخشونة الكلامية ، واستعمال الثانية في الخشونة العملية والسلوكية ، وبهذا يشير سبحانه إلى ما كان يتحلى به الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله من لين ولطف تجاه المذنبين والجاهلين.
ثم إنّه سبحانه يأمر نبيّه بأن يعفو عنهم إذ يقول : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ).
وهذا الكلام يعني أنّه سبحانه يطلب من نبيّه أن يعفو عنهم فيما بينه وبينهم ، وأمّا ما بين الله وبينهم فهو سبحانه يغفر لهم ذلك. وقد فعل الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ما أمره به ربّه وعفى عنهم جميعاً.
بعد إصدار الأمر بالعفو العام يأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يشاور المسلمين في الأمر ويقف على وجهات نظرهم ، وذلك إحياءاً لشخصيتهم ، ولِبث الروح الجديدة في كيانهم الفكري والروحي اللذين أصابهما الفتور بعد الذي حدث ، إذ يقول : (وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ).
صحيح أنّ كلمة «الأمر» في قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ) ذات مفهوم واسع يشمل جميع الامور ، ولكن من المسلم أيضاً أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يشاور الناس في الأحكام الإلهيّة مطلقاً ، بل كان في هذا المجال يتبع الوحي فقط.
بقدر ما يجب على المستشير أن يتخذ جانب الرفق واللّين في المشورة مع مستشاريه يجب إتخاذ القرار الأخير بصرامة وحسم ، وهذا هو ما يعبر عنه بالعزم في قوله سبحانه في هذا السياق إذ يقول : (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
ثم إنّه سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين في ختام الآية أن يتوكلوا على الله فحسب لأنّه تعالى يحبّ المتوكلين إذ يقول : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكّلِينَ).
هذا ويستفاد من هذه الآية أنّ التوكل يجب أن يكون بعد التشاور ، وبعد الأخذ والاستفادة من جميع الإمكانيات المتاحة للإنسان حتماً.
بعد أن يحث الباري سبحانه وتعالى عباده على أن يتوكلوا عليه ، يبين في هذه الآية ـ التي هي مكملة للآية السابقة ـ نتيجة التوكل وثمرته وفائدته العظمى فيقول : (إِن يَنْصُرُكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرْكُم مِّن بَعْدِهِ). وهو بهذا يشير إلى أنّ قدرة الله فوق كل القدرات ، فإذا أراد بعبد خيراً وأراد نصره وتأييده والدفاع عنه لم يكن في مقدور أية قوة في الأرض ـ مهما عظمت ـ أن تتغلب عليه.
والكلام في الآية السابقة موجه إلى شخص النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وأمر له ولكنه في هذه الآية موجه إلى جميع المؤمنين وكأنّها تقول لهم : إنّ عليهم أن يتوكلوا على الله كما يفعل النبي صلىاللهعليهوآله