ولهذا يختم هذه الآية بقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (١٦١)
الخيانة ممنوعة مطلقاً : بالنظر إلى الآية السابقة التي نزلت بعد الآيات المتعلقة بوقعة «احد» تعتبر هذه الآية ردّاً على بعض التعللات الواهية التي تمسك بها بعض المقاتلين. فجاء القرآن يرد على زعمهم وتصورهم هذا فقال : (وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَن يَغُلَّ) (١). أي إنّكم تصورتم وظننتم أنّ النّبي يخونكم ، والحال أنّه ليس لنبي أن يغل ويخون أحداً.
إنّ الله سبحانه ينزه في هذه الآية جميع الأنبياء والرسل من الخيانة ، ويقول : إنّ هذا الأمر لا يصلح ـ أساساً ـ للأنبياء ، ولا يتناسب مع مقامهم العظيم.
ثم تقول : (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيمَةِ). أي أنّ كل من يخون سيأتي يوم القيامة وهو يحمل على كتفه وثيقة خيانته ، أو يصحبه معه إلى المحشر ، وهكذا يفتضح أمام الجميع ، وتنكشف أوراقه وتعرف خيانته.
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ). يعني أنّ الناس يجدون عين أعمالهم هناك ، ولهذا فهم لا يظلمون لأنّه يصل إلى كل أحد نفس ما كسبه خيراً كان أو شراً.
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (١٦٣)
المتخلفون عن الجهاد : تضمنت الآيات السابقة الحديث عن شتى جوانب معركة «احد» وملابساتها ونتائجها ، وقد جاء الآن دور المنافقين وضعاف الإيمان من المسلمين الذين تقاعسوا عن الحضور في «احد» تبعاً للمنافقين ، فنزل قوله تعالى : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ). ولبى نداء النبي واتبع أمره بالخروج (كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَيهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
__________________
(١) «الغلول» : تعني الخيانة ، وأصله تدرع الشيء وتوسطه ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر ، وهو الماء الذي يتسلل ويتسرب فيما بين الشجر ويدخل فيه ، ويطلق الغليل على ما يقاسيه الإنسان في داخله من العطش ومن شدة الوجد والغيظ ، لهذا السبب.