هذه الآية تعقيب على الآيات التي نزلت حول غزوة «حمراء الأسد». ويكون معنى هذه الآية هو : إنّ عمل نعيم بن مسعود ، أو ركب عبد القيس من عمل الشيطان لكي يخوفوا به أولياء الشيطان. يعني أنّ هذه الوساوس إنّما تؤثر في أتباع الشيطان وأوليائه خاصة.
إنّ التعبير عن نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس ووصفهم ب «الشيطان» إمّا لكون عملهم ذلك من عمل الشيطان ، وإمّا أنّ المقصود من الشيطان هم نفس هؤلاء الأشخاص ، فيكون «هذا المورد» من الموارد التي يطلق فيها اسم الشيطان على المصداق الإنساني له.
ثم إنّه سبحانه يقول في ختام الآية : (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). يعني أنّ الإيمان بالله والخوف من غيره لا يجتمعان.
وعلى هذا الإساس فإن وجد في أحد الخوف من غير الله كان ذلك دليلاً على نقصان إيمانه وتأثيره بالوساوس الشيطانية لأننا نعلم أنّه لا ملجأ ولا مؤثر بالذات في هذا الكون العريض سوى الله الذي ليس لأحد قدرة في مقابل قدرته.
(وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧)
مواساة القرآن للنبي صلىاللهعليهوآله : الآية الأولى موجه إلى النبي صلىاللهعليهوآله فالله تعالى يعزّي نبيه في أعقاب أحداث «احد» المؤلمة قائلاً له : أيّها الرسول : (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ). وكأنّهم يتسابقون إليه (إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيًا) بل يضرّون بذلك أنفسهم.
هذا مضافاً إلى أنّ الله سوف لن ينسى مواقفهم المشينة ولن تفوته مخالفاتهم ، وسيصيبهم جزاء ما يعملونه يوم القيامة : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى الْأَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
فإنّ الآية تقول : إذا كان هؤلاء يتسابقون في الكفر فليس ذلك لأنّ الله لا يقدر على كبح جماحهم ، بل لأنّ الله أراد أن يكونوا أحراراً في اتخاذ المواقف وسلوك الطريق الذي يريدون ، ولا شك أنّ نتيجة ذلك هو الحرمان الكامل من المواهب الربانية في العالم الآخر.
ثم يقرر القرآن هذه الحقائق في الآية الثانية بشكل أكثر تفصيلاً إذ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيًا). يعني ليس الذين يتسابقون في طريق الكفر ويسارعون إليه هم وحدهم على هذا الحال ، بل كل الذين يسلكون طريق الكفر بشكل من