(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) (١٩٨)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت في مشركي العرب ، وكانوا يتجرون ويتنعمون بها ، فقال بعض المسلمين : إنّ أعداء الله في العيش الرخيّ ، وقد هلكنا من الجوع! فنزلت الآية.
التّفسير
سؤال مزعج : السؤال الذي مرّ ذكره في سبب نزول هذه الآيات والذي كان يطرحه بعض المسلمين في عصر النبي يعتبر سؤالاً عاماً يطرح نفسه على الناس في كل زمان ومكان. فإنّهم يرون كيف يتنعم العصاة والطغاة ، والفراعنة والفساق ، ويرفلون في النعيم ، ويعيشون الحياة الرفاهية ويقيسونه ـ غالباً ـ بحياة الشدة والعسرة التي يعيشها جماعة من المؤمنين ، ويقولون متسائلين : كيف ينعم اولئك العصاة ـ مع ما هم عليه من الإثم والفساد والجريمة ـ بمثل تلك الحياة الرغيدة ، بينما يعيش هؤلاء ـ مع ما هم عليه من الإيمان والتقوى والصلاح ـ في مثل هذه الشدة والعسرة ، وربّما أدى هذا الأمر ببعض ضعفاء الإيمان إلى الشك والتردد؟!
ولو أنّنا درسنا هذا السؤال وحلّلنا عوامل الأمر وأسبابه في كلا الجانبين ، لظهرت أجوبة كثيرة على هذا التساؤل ، وقد أشارت هذه الآيات إلى بعضها ، ويمكننا الوقوف على بعضها الآخر بشيء من التأمل والفحص. تقول الآية الاولى من هذه الآيات : (لَايَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى الْبِلدِ). والمخاطب في هذه الآية وإن كان شخص النبي الكريم صلىاللهعليهوآله إلّاأنّ المراد هو عموم المسلمين.
ثم تقول : (مَتَاعٌ قَلِيلٌ). أي إنّ هذه النجاحات المادية التي يحرزها المشركون ، وهذه الثروات الهائلة التي يحصلون عليها من كل سبيل ليست سوى متاع قليل ولذة عابرة.
(ثُمَّ مَأْوَيهُمُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ). فالملذات المادية تستعقب عواقب سيئة ، فإنّ مسؤولية هذه الأموال والثروات ستجرّهم إلى مصير مشؤوم ، ذلك هو الجحيم الذي