ستكون محطتهم الأخيرة ومآلهم وبئس المآل.
إنّ أكثر مظاهر تفوّق هؤلاء العصاة الطّغاة الظالمين محدودة الأبعاد ، كما أنّ متاعب أكثر المؤمنين ومشاكلهم ومحنهم كذلك مؤقتة ، ومحدودة أيضاً. ولهذا لا يمكن (أو لا تصح) المقارنة والمقايسة بين هؤلاء وهؤلاء لأنّ النجاحات المادية التي يحرزها بعض العصاة والفاسقين إنّما هي لكونهم لا يتقيّدون في جمع الثّروة بأي قيد أو شرط ، فهم يجمعون المال من كل سبيل ، سواء كان مشروعاً أم غير مشروع ، حراماً كان أم حلالاً ، بل إنّهم يجوّزون لأنفسهم اكتناز الثروة ، في حين يتقيّد المؤمنون بمبادىء الحق والعدالة في هذا المجال ، فلا يسوّغون لِأنفسهم بأن يكتسبوا المال من أي طريق كان ، وأي سبيل اتفق.
ثم إنّ الله سبحانه بعد أن بيّن مصير الكفار في الآية السابقة ، بيّن هنا ـ في الآية التي تلت تلك الآية ـ مصير المؤمنين ، إذ قال : (لكِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا). أي إنّ الذين اتبعوا موازين الحق والعدل في الوصول إلى المكاسب المادية ، أو أنّهم بسبب إيمانهم تعرضوا للحصار الاقتصادي والاجتماعي ولكنهم مع ذلك بقوا ملتزمين بالتقوى ، فإنّه تعالى سيعوّضهم عن كل ذلك بجنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها (نُزُلاً مّنْ عِندِ اللهِ وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ).
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (١٩٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : اختلفوا في نزولها فقيل : نزلت في النجاشي ملك الحبشة وذلك أنّه لمّا مات نعاه جبرائيل لرسول الله في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله : «اخرجوا فصلّوا على أخ لكم مات بغير أرضكم». قالوا : ومن؟ قال : «النجاشي». فخرج رسول الله إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلّى عليه. فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلّي على عِلْج نصراني حبشي لم يره قطّ وليس على دينه! فأنزل الله هذه الآية.