إنّ كلمة «جُنُباً» ـ وكما أوضحنا لدى تفسير الآية (٤٣) من سورة النساء ـ تعني في الأصل «المتباعد» أو «البعيد» وسبب إطلاق هذا اللفظ على الإنسان المجنب لأنّ هذا الإنسان يجب عليه أن يبتعد عن الصلاة والتوقف في المساجد وأمثالها.
ويمكن أن يستدل من الآية التي تدعو المجنب إلى الإغتسال قبل الصلاة على أنّ غسل الجنابة يجزيء ، وينوب عن الوضوء أيضاً.
ومن ثم بادرت الآية إلى بيان حكم التيمم حيث قالت : (وَإِن كُنتُم مَّرضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيّبًا).
لقد بيّنت الآية ـ بعد ذلك ـ اسلوب التيمم بصورة إجمالية فقالت : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ).
وقد أوضحت الآية ـ في آخرها ـ أنّ الأوامر الإلهية ليس فيها ما يحرج الإنسان أو يوجد العسر له ، بل إنّها أوامر شرعت لتحقق فوائد ومنافع معينة للناس ، فقالت الآية (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وتؤكد هذه العبارات القرآنية الأخيرة أنّ جميع الأحكام والأوامر الشرعية الإلهية والضوابط الإسلامية هي لمصلحة الناس ولحماية منافعهم ، وليس فيها أيّ هدف آخر ، وإنّ الله يريد بالأحكام الأخيرة الواردة في الآية ـ موضوع البحث ـ أن يحقق للإنسان طهارته الجسمانية والروحية معاً.
إنّ جملة (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) تبيّن قانوناً عامّاً معناه أنّ أحكام الله ليست تكاليف شاقّة أبداً ، ولو كان في أيّ حكم شرعي العسر والحرج لأي فرد لسقط التكليف عن هذا الفرد بناء على الاستثناء الوارد في الجملة القرآنية الأخيرة من الآية موضوع البحث ، ولهذا لو كان الصوم يشكل مشقة وعناء على أيّ فرد بسبب مرض أو شيخوخة أمّا ما شابه ذلك ، لسقط أداؤه عن هذا الفرد وارتفع التكليف عنه ، بناء على هذا الدليل نفسه.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (٧)