العهود الربانية : تناولت الآية السابقة مجموعة من الأحكام الإسلامية بالإضافة إلى موضوع إكمال النعمة الإلهية على المسلمين ، وجاءت الآية الأخيرة لتكمل السياق الموضوعي لما سبق من آيات ، فاستقطبت انتباه المسلمين إلى أهمية وعظمة النعم الإلهية التي أعظمها وأهمّها نعمة الإيمان والهداية والإسلام ، تقول الآية : (وَاذْكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ). فأيّ نعمة أعظم من أن ينال الإنسان ـ في ظل الإسلام ـ كل الهبات الإلهية والمفاخر والإمكانيات الدنيوية ، بعد أن كان الناس يعانون في الجاهلية من التشتت والجهل والضلال ويسود بينهم قانون الغاب ، وكان الفساد والظلم يعم مجتمعهم آنذاك ، وقد تحولوا بفضل الإسلام إلى مجتمع يسوده الإتحاد والتماسك والعلم ، ويرفل بالنعم والإمكانيات المادية والمعنوية الزّاخرة.
بعد هذا تعيد الآية إلى الأذهان ذلك العهد الذي بين البشر وبين الله ، فتقول : (وَمِيثَاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا).
والمراد بلفظة «العهد» في هذه الآية إشارة إلى جميع العهود والمواثيق التكوينية والتشريعية التي أخذها الله أو النبي صلىاللهعليهوآله من المسلمين بمقتضى فطرتهم في مراحل مختلفة.
وفي النهاية تؤكد الآية على ضرورة التزام التقوى ، محذّرة أنّ الله محيط بأسرار البشر ، وعالم بما يختلج في صدورهم ، بقولها : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (١٠)
دعوة مؤكّدة إلى العدالة : إنّ الآية الاولى من الآيات الثلاث أعلاه تدعو إلى تحقيق العدالة ، وهي شبيهة بتلك الدعوة الواردة في الآية (١٣٥) من سورة النساء ، التي مضى ذكرها مع اختلاف طفيف ، فتخاطب هذه الآية أوّلاً المؤمنين قائلة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ).
ثم تشير إلى أحد أسباب الانحراف عن العدالة وتحذّر المسلمين من هذا الانحراف مؤكّدة