(قصة فيها عبرة :) في هذه الآيات يستعرض مشهداً آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر بالحوادث ، وهو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في الأمر أنّ الخطاب موجه فيها إلى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله فيقول له : (وَسَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ). أي اسأل يهود عصرك عن قضية القرية التي كانت تعيش على ساحل البحر.
ثم تقول : وذكّرهم كيف أنّهم تجاوزوا ـ في يوم السبت ـ القانون الإلهي (إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ) لأنّ يوم السبت كان يوم عطلتهم ، وكان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب ، وعن صيد السمك ويشتغلوا بالعبادة ، ولكنهم تجاهلوا هذا الأمر.
ثم يشرح القرآن العدوان المذكور بالعبارة التالية : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا). فالأسماك كانت تظهر على سطح الماء في يوم السبت ، بينما كانت تختفي في غيره من الأيام.
«السبت» : في اللغة تعني تعطيل العمل للإستراحة ، وسمّى «يوم السبت» بهذا الإسم لأنّ الأعمال العادية والمشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم ، ثمّ بقي هذا الإسم لهذا اليوم علماً له.
إنّ هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي وإلهي ، كان وسيلة لامتحان واختبار هذه الجماعة ، لهذا يقول القرآن الكريم : وهكذا اختبرناهم بشيء يخالفونه ويعصون الأمر فيه (كَذلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وجملة (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) إشارة إلى أنّ اختبارهم كان من خلال أدوات موافقة لأهوائهم وما من شأنه أن يدعوهم إلى المعصية والمخالفة ، وجميع الاختبارات كذلك ، لأن الاختبار يجب أن يبيّن مدى مقاومة الأشخاص أمام جاذبية المعاصي والذنوب.
عندما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلاً مع حياتهم تداخلاً كاملاً ، انقسموا إلى ثلاث فرق :
(الفريق الأوّل) وكانوا يشكّلون الأكثرية ، وهم الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي.
(الفريق الثاني) وكانوا على القاعدة يشكلون الأقلية ، وهم الذين قاموا ـ تجاة الفريق الأوّل بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(الفريق الثالث) وهم الساكتون المحايدون الذين لم يوافقوا العصاة ، ولا قاموا بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.