ولهذا قال تعالى في عقيب ذلك : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّايَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ). أي أنّهم اخذ عليهم الميثاق ـ بواسطة كتابهم السماوي التوراة ـ أن لا يفتروا على الله كذباً ، ولا يحرفوا كلماته ، ولا يقولوا إلّاالحق.
ثم يقول : لو كان هؤلاء الذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهية ، لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذاراً ، ولكن المشكلة هي أنّهم رأوا التوراة مراراً وفَهموا محتواها ومع ذلك ضيّعوا أحكامها ، ونبذوا أمرها وراء ظهورهم (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ).
وفي ختام الآية يقول : إنّ هؤلاء يخطئون في تقديرهم للُامور ، وإنّ هذه الأعمال لن تجديهم نفعاً (وَالدَّارُ الْأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ).
ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة (أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
وفي مقابل الفريق المشار إليه سابقاً يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم اقتراف جريمة تحريف الآيات الإلهية وكتمانها فحسب ، بل تمسكوا بحذافيرها وطبقوها في حياتهم حرفاً بحرف ، والقرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم ، ويعترف لهم بأجر جزيل وثواب عظيم ، ويقول عنهم : (وَالَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ إِنَّا لَانُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ).
إنّ الآيات الحاضرة تكشف لنا بوضوح عن أنّ الإصلاح الواقعي في الأرض لا يمكن من دون التمسك بالكتب السماوية ، ومن دون تطبيق الأوامر والتعاليم الإلهية ، وهذا التعبير يؤكّد ـ مرّة اخرى ـ هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدين ليس مجرد برنامج يرتبط بعالم ما وراء الطبيعة ، وبدار الآخرة ، بل هو برنامج للحياة البشرية ، ويهدف إلى حفظ مصالح جميع أفراد البشر ، وإجراء مبادىء العدل والسلام والرفاه والإستقرار ، وبالتالي كل مفهوم تشمله كلمة «الإصلاح» الواسعة المعنى.
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧١)
آخر كلام حول اليهود : هذه الآية آخر آية في هذه السورة تتحدث حول حياة بني إسرائيل وهي تتضمن تذكير قصة اخرى ليهود عصر النبي صلىاللهعليهوآله قصة فيها عبرة ، كما أنّها دليل على إعطاء ميثاق وعهد ، إذ يقول : واذكروا إذ قلعنا الجبل من مكانه وجعلناه فوق