كان إبراهيم يعلم جيّداً أنّه من المستبعد أن يحصل له ولد ضمن الموازين الطبيعية ، (ومع أنّ كل شيء مقدور لله عزوجل) ، ولهذا أجابهم بصيغة التعجب : (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَّسَّنِىَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ). هل البشارة منكم أم من الله عزوجل وبأمره ، أجيبوني كي أزداد اطمئناناً؟
وعلى أية حال ... لم يدع الملائكة مجالاً لشك وتعجب إبراهيم حيث (قَالُوا بَشَّرْنكَ بِالْحَقّ). فهي بشارة من الله وبأمره ، فهي حق مسلّم به.
وتأكيداً للأمر ودفعاً لأي احتمال من غلبة اليأس على إبراهيم ، قالت الملائكة : (فَلَا تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ).
لكن إبراهيم عليهالسلام طمأنهم بعدم دخول اليأس إلى قلبه ، لأنّه مطمئن من أنّ أمر القدرة الإلهية نافذ في جميع أرجاء الكون حتى مع خرق النواميس الطبيعية وبدون الخلل في الموازنة ، (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).
إنّ الضالين هم الذين لا يعرفون الله وقدرته المطلقة ، الله الذي خلق الانسان ببناءه العجيب المحيّر من ذرّة تراب ومن نطفة حقيرة ليخرجه ولداً سويّاً ، الله الذي حوّل نخلة يابسة إلى حاملة للثمر بإذنه ، الله الذي جعل النار برداً وسلاماً .. هل من شك بأنّه سبحانه قادر على كل شيء ، بل وهل يصح ممن آمن به وعرفه حق معرفته أن ييأس من رحمته؟!
وراود إبراهيم عليهالسلام ـ بعد سماعه البشارة ـ أنّ الملائكة قد تنزلت لأمر ما غير البشارة ، وما البشارة إلّامهمة عرضية ضمن مهمتهم الرئيسية ، ولهذا (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ).
ومع علم الملائكة بإحساس إبراهيم عليهالسلام المرهف وأنّه دقيق في كل شيء ولا يقنع بالعموميات ، فبيّنوا له أمر نزول العذاب على قوم لوط المجرمين باستثناء أهله (إِلَّاءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ).
إنّ ظاهر تعبير «آل لوط» وما ورد من تأكيد بكلمة «أجمعين» سيشمل امرأة لوط الضّالة التي وقفت في صف المشركين ، ولعلّ إبراهيم كان مطلعاً على ذلك ، ولذا أضافوا قائلين : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ).