الصفتان الرابعة والخامسة تكشفان عن عمق التأثير التربوي للقرآن الكريم ، عن طريق اسلوب الإنذار والوعيد والتهديد والترغيب ، فآية تقوم بتشويق الصالحين والمحسنين بحيث إنّ النفس الإنسانية تكاد تطير وتتماوج في آفاق الملكوت والرحمة ، وأحياناً تقوم آية بالتهديد والإنذار بشكل تقشعر منه الأبدان لهول الصورة وعنف المشهد.
ومع ذلك فإنّ المتعصّبين المعاندين لا يتفاعلون مع حقائق الكتاب المنزل ، وكأنّهم لا يسمعونها أبداً بالرغم من السلامة الظاهرية لأجهزتهم السمعية ، إنّهم في الواقع يفتقدون لروح السماع وإدراك الحقائق ، ووعي محتويات النذير والوعيد القرآني.
وهؤلاء ـ كمحاولة منهم لثني الرسول صلىاللهعليهوآله عن دعوته ، وايغالاً منهم في الغي وفي زرع العقبات ـ يتحدّثون عند رسول الله بعناد وعلو وغرور حيث يحكي القرآن عنهم : (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ).
مادام الأمر كذلك فاتركنا وشأننا ، فاعمل ما شئت فإنّنا عاكفون على عملنا : (فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ).
«أكنّة» : جمع «كنان» وتعني الستار.
هكذا ... بمنتهى الوقاحة والجهل ، يهرب الإنسان بهذا الشكل الهازل عن جادة الحق.
عبارة (فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) محاولتهم زرع اليأس عند النبي صلىاللهعليهوآله. أو قد يكون المراد نوعاً من التهديد له. والتعبير يمثّل منتهى العناد والتحدّي الأحمق للحق ولرسالاته.
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٨)
من هم المشركون : الآيات التي بين أيدينا تستمر في الحديث عن المشركين والكافرين ، وهي في الواقع إجابة لما صدر عنهم في الآيات السابقة ، وإزالة لأيّ وهمّ قد يلصق بدعوة النبي صلىاللهعليهوآله. يقول تعالى لرسوله الكريم : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ).
ثم تستمر الآية : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ).
ثم تضيف الآية محذّرة : (وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ).