الْقُرُونِ). فهؤلاء يسيرون بين الخرائب ويرون آثار اولئك الأقوام الذين هلكوا من قبلهم (يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ).
تقع مساكن «عاد» و «ثمود» المدمّرة ، ومدن «قوم لوط» الخربة في طريق هؤلاء إلى الشام ، وكان المشركون يمرّون على تلك الخرائب فكأنّ لبيوت هؤلاء وقصورهم المتهدمة مئة لسان ، وتبيّن لهم وتحدثهم بنتيجة الكفر والإنحطاط ، ولذلك تضيف الآية في النهاية : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ).
وتشير الآية التالية إلى أحد أهم النعم الإلهية التي هي أساس عمران كل البلدان ، ووسيلة حياة كل الكائنات الحية ، ليتّضح من خلالها أنّ الله سبحانه كما يمتلك القدرة على تدمير بلاد الضالين المجرمين ، فإنّه قادر على إحياء الأراضي المدمّرة والميتة ، ومنح عباده كل نوع من المواهب ، فتقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ).
«الجُرُز» : تعني الأرض القاحلة التي لا ينبت فيها شيء قطّ.
ولما كانت الآيات السابقة تهدّد المجرمين بالإنتقام ، وتبشّر المؤمنين بالإمامة والنصر ، فإنّ الكفار يطرحون هذا السؤال غروراً واستكباراً وتعلّلاً بأنّ هذه التهديدات متى ستتحقق ، كما يذكر القرآن ذلك : (وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ).
فيجيبهم القرآن مباشرةً ، ويأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَايَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ). أي : إذا كان مرادكم أن تروا صدق الوعيد الإلهي الذي سمعتموه من النبي لتؤمنوا ، فإنّ الوقت قد فاتكم ، فإذا حلّ ذلك اليوم لا ينفعكم إيمانكم فيه شيئاً.
والمراد من «يوم الفتح» يوم نزول «عذاب الإستئصال» ؛ أي العذاب الذي يقطع دابر الكافرين ، ولا يدع لهم فرصة الإيمان. وبتعبير آخر : فإنّ عذاب الإستئصال نوع من العذاب الدنيوي ، الذي يُنهي حياة المجرمين بعد إتمام الحجة.
وأخيراً تنهي الآية الأخيرة هذه السورة ـ سورة السجدة ـ بتهديد بليغ عميق المعنى ، فتقول : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ).
الآن ، حيث لم تؤثّر في هؤلاء البشارة ولا الإنذار ، فأعرض عنهم ، وانتظر رحمة الله سبحانه ، ولينتظروا عذابه فإنّهم لا يستحقون سواه.
|
نهاية تفسير سورة السجدة |
* * *