يؤول إليه مصيرها ، بل يقوم بتدبير امورها وحاجاتها عن طريق الوحي ، وهذه هي الصفة الثالثة من الصفات السبع.
أمّا «العليّ» و «العظيم» اللذان هما رابع وخامس صفة له ـ سبحانه وتعالى ـ في هذه الآيات ، فهما يشيران إلى عدم حاجته لأيّ طاعة أو عبودية من عباده.
الآية التي بعدها تضيف : (تَكَادُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ) (١).
وذلك بسبب نزول الوحي من قبل الله ، أو بسبب التُهم الباطلة التي كان المشركون والكفار ينسبونها إلى الذات المقدسة ويشركون الأصنام في عبادته.
ويتّضح مما سلف أنّ للجملة معنيين :
الأوّل : أنّها تختص بموضوع الوحي ، وهو في الواقع يشبه ما جاء في الآية (٢١) من سورة الحشر في قوله تعالى : (لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ اللهِ).
الثاني : أنّ السماوات تكاد تتفطّر وتتلاشى بسبب شرك المشركين وعبادتهم للأصنام من دون الله ، بل هم يساوون بين أدنى الكائنات والموجودات وبين المبدأ العظيم خالق الكون جلّ وعلا.
بقية الآية ، قوله تعالى : (وَالْمَلِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الْأَرْضِ).
أمّا الرابطة بين هذا الجزء من الآية والجزء الذي سبقه ، فهو ـ وفقاً للتفسير الأوّل ـ أنّ الملائكة الذين هم حملة الوحي العظيم وواسطته ، يسبحون ويحمدون الله دائماً ، يحمدونه بجميع الكمالات ، وينزّهونه عن جميع النواقص ، وعندما ينحرف المؤمنون أحياناً ، تقوم الملائكة بنصرهم ويطلبون المغفرة لهم من الله تعالى.
أمّا وفق التفسير الثاني ، فإنّ تسبيح الملائكة وحمدهم إنّما يكون لتنزيهه تعالى عمّا ينسب إليه من شرك ، وهم يستغفرون كذلك للمشركين الذين آمنوا وسلكوا طريق التوحيد ورجعوا إلى بارئهم جلّ جلاله.
وأخيراً تشير نهاية الآية الكريمة إلى سادس وسابع صفة من صفات الله تبارك وتعالى ، وتنصب حول الغفران والرحمة ، وتتصل بقضية الوحي ومحتواه ، وبخصوص وظائف
__________________
(١) «يتفطّرن» : من كلمة «فطر» على وزن «سطر» وتعني في الأصل الشق الطولي.