الرجاليّين كانوا وما يزالون يتعبّدون في الأكثر بقول أئمّة هذا الفنّ ويقلّدونهم في جرح الرواة وتعديلهم ، إلاّ أنّ الأمر لا ينحصر فيه. فهناك بإزاء ذاك باب مفتوح إلى معرفة الرواة ولمس حالهم بالمباشرة. وهذا يحصل بالرجوع إلى أمرين :
١ ـ الرجوع إلى سند الروايات المتكرّرة في الكتب الحديثية المشتملة على إسم الراوي. وبذلك يظهر الخلل في كثير من الأسانيد ، وينكشف الإرسال فيها بسقوط بعض الوسائط وعدم اتّصال السلسلة. ويمكننا معرفة الحلقة المفقودة في سلسلة حديث باستقراء الأشباه والنظائر إذا توفّرت وكثرت القرائن ، وقامت الشواهد في الأسانيد المتكثّرة.
٢ ـ الرجوع إلى متون أحاديث الراوي المبعثرة على الأبواب ، واعتبارها لفظاً ومعنى وكمّاً وكيفاً ، فيفهم منها أنّ الراوي هل كان متضلّعاً في علم الفقه أو التفسير أو غيرهما من المعارف؟ أو لم يكن له مهارة وحذاقة في شيء منها؟ يفهم ذلك كلّه إذا قيست رواياته بعضها ببعض وبما رواه الآخرون في معناها ، ويلاحظ أنّه قليل الرواية أو كثيرها وأنّه ثبت ضابط فيما يرويه أو مخلّط مدلّس.
وإذا انضـمّ إليه أمـر ثالث ينكشف حـال الراوي أتمّ الإنكشـاف ، وهو مراجعـة الأحـاديث التي وردت في حـال الرواة. وقد جمـع معظمها أبو عمـرو الكشّي في رجـاله. فهي تعطينـا بصيـرة بحال رواة الحـديث. ومن ناحيـة أُخرى موقف الرواة من الأئمّـة الهـداة ، ودرجـات قرب الرجـال وبعدهم عنهم.
وعلى الجملـة فمعرفـة الرواة وطبقاتـهم عن طريـق أحاديثـهم وملاحظتـها متنـاً وسنـداً ، تكاد تكـون معرفـة بالمباشـرة والنظر ،