وكانوا قبل ذلك يعبرون في المراكب فوجدوا هذا الجسر قد عقده الخليفة في مغيبهم ولم يكن عند شخوصهم إلى مكّة شرّفها الله ، وعبرنا الجسر ظهر يوم الأحد المذكور ونزلنا بشطّ الفرات على مقدار فرسخ من البلد ، وهذا النهر كاسمه فرات هو من أعذب المياه وأخفّها ، وهو نهر كبير زاخر تصعد فيه السفن وتنحدر ، والطريق من الحلّة إلى بغداد من أحسن الطرق وأجملها في بسائط من الأرض وعمائر تتصل بها القرى يميناً وشمالاً ، ويشقّ هذه البسائط أغصان من ماء الفرات تتسرّب بها وتسقيها ، فمحرثها لاحَدَّ لاتساعه وانفساحه ، فللعين في هذه الطريق مسرح انشراح وللنفس مزيد انبساط وانفساح ، والأمن فيها متصل بحمد الله سبحانه وتعالى».
الحلّة في رحلة بنيامين(١) :
في هذه الرحلة تطرّق الرحّالة بنيامين بن يونة التطلي الأندلسي اليهودي(٢) إلى ذكر اليهود وخرائب بابل القديمة فقال :
«خرائب بابل : هي بابل الكبرى القديمة ، لم يبق منها اليوم سوى الأطلال الدارسة ، وتمتدّ هذه الخرائب إلى مسافة ثلاثين ميلاً ، ويشاهد فيها بقايا قصر بخت نصّر ، والناس تخاف الولوج فيه لكثرة ما به من عقارب وأفاعي ، وفي بقعة تبعد نحو ميل واحد عن هذه الأطلال يقيم عشرون ألفاً من اليهود ولديهم كنيس عتيق البنيان منسوب إلى النبي دانيال يؤمّونه لأقامة الصلاة فيه ، بناؤه من الحجر المتين المهذّب والآجر ، وفي بابل بقايا أتون من النار الذي طرح فيه حنينه وميشائيل وعزرية على مقربة من قصر بخت
__________________
(١) رحلة بنيامين: ١٤٠ ـ ١٤١.
(٢) كان حياً عام ٥٦١ هـ. وهو تاريخ رحلته كما جاء ذلك في ص٢٩ من رحلته.