والعزيمة خلق قرآني ، وفضيلة اسلامية ، أشار اليها التنزيل المجيد أكثر من مرة ، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه صلىاللهعليهوسلم في سورة آل عمران :
«وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»(١).
هنا يأمر الله تبارك وتعالى نبيه أن يشاور قومه فيما يعرض من أمور تستحق المشاورة ، لأن الشورى فيها تقليب لأوجه الرأي ، لاختيار اتجاه محدد ، فاذا أدت الشورى عملها ، جاء عقبها العزم والمضاء في التنفيذ ، مع التوكل على الله ، دون تردد أو تأرجح ، فالخطة واضحة : رأي ومشاورة ، ثم حسم وعزم ، ثم توكل على الله : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».
ولقد تعرض «تفسير المنار» لتفسير الآية فذكر أن العزيمة تأتي بعد الدراسة والمشاورة ، واستعراض وجوه الرأي من أهل المشورة ، واعداد العدة ، حتى تقبل معونة الله ، ويتهيأ النصر ، فنراه يقول : «فاذا عزمت بعد المشاورة في الامر على امضاء ما ترجحه الشورى ، وأعددت له عدته ، فتوكل على الله في امضائه ، وكن واثقا بمعونته وتأييده لك فيه ، ولا تتكل على حولك وقوتك ، بل اعلم ان من وراء ما أتيته وما أوتيته قوة أعلى وأكمل ، يجب أن يكون بها الثقة ، وعليها المعول ، واليها اللجأ اذا تقطعت الاسباب ، وأغلقت الابواب.
وقال الاستاذ الامام ما معناه : ان العزم على الفعل ، وان كان يكون بعد الفكر واحكام الرأي والمشاورة وأخذ الاهبة ، فذلك كله لا يكفي للنجاح الا بمعونة الله وتوفيقه ، لأن الموانع الخارجية له ، والعوائق دونه ،
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٩.