لا يحيط بها الا الله تعالى ، فلا بد للمؤمن من الاتكال عليه ، والاعتماد على حوله وقوته.
ان الله يحب المتوكلين على حوله وقوته ، مع العمل في الاسباب بسنته ، أقول : ومن أحبه الله عصمه من الغرور باستعداده ، والركون الى عدته وعتاده ، والبطر الذي يصرفه عن النظر فيما يعرض له بعد ذلك ، حتى لا يقدره قدره ، ولا يحكم فيه أمره. فبدلا من أن يكون نظره في الامور بعين العجب والغرور. واستماعه لأنبائها بأذن الغفلة والازدراء ، ومباشرته لها بيد التهاون ، يلقي السمع وهو شهيد ، وينظر بعين البصيرة فبصره حينئذ حديد ، ويبطش بيد الحزم فبطشه قوي شديد ، ذلك بأنه يسمع ويبصر ، ويعمل للحق ، لا للباطل الذي يزيّنه الهوى ، ويدلي به الغرور ، فيكون مصداقا للحديث القدسي : «فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها».
ثم ذكر التفسير أن الآية صريحة في وجوب امضاء العزيمة المستكملة لشروطها ـ وأهمها في الامور العامة : حربية كانت أو سياسية أو ادارية : المشاورة ـ وذلك أن نقض العزيمة ضعف في النفس ، وزلزال في الاخلاق ، لا يوثق بمن اعتاده في قول ولا عمل ، فاذا كان ناقض العزيمة رئيس حكومة أو قائد جيش ، كان ظهور نقض العزيمة منه ناقضا للثقة بحكومته وبجيشه ، ولا سيما اذا كان بعد الشروع في العمل.
ولذلك لم يصغ النبي صلىاللهعليهوآله الى قول الذين أشاروا عليه بالخروج في غزوة أحد ، حين أرادوا أن يرجعوا عن رأيهم ، خشية أن يكونوا قد استكرهوه ، وكان قد لبس ملابس الحرب ، فعلّمهم بذلك أن لكل عمل وقتا ، وأن وقت المشاورة متى انتهى أعقبه العمل ، وأن القائد اذا شرع في العمل تنفيذا للشورى ، لا يجوز له أن ينقض عزيمته ويبطل عمله ، وان كان يرى أن أهل الشورى قد أخطأوا الرأي ، ويمكن أن نرجع