الجهاد ، ولكن في الاستشهاد حياة : حياة عند الله للشهداء ، وحياة لأمتهم في الارض واستعلاء ، وهكذا دعاهم الى الموقعة التي أحيتهم وأعزتهم ، وأحيت الاسلام وركزت رايته على الاجيال.
ان الاسلام دين حياة لا عقيدة انعزال ، دين ايجابي تنمو الحياة في ظله وترتقي ، لأنه يسبق خطى البشرية دائما ، ويقودها في مدارج التعمير والانشاء ، والتطور والارتقاء. انه نظام كامل لحياة كاملة ، وليس مجرد عقيدة روحية للتهذيب والارشاد. انه يأخذ من الحياة ويعطي ، ويدفع بالحياة الى الامام محكومة بنظامه الذي لم تعرف له البشرية نظيرا منذ كان الانسان».
* * *
ويقول الحق جل جلاله في سورة البقرة :
«وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ، بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ»(١).
ما هذه الحياة التي يحياها المقتول في سبيل الله؟. قيل انها حياة يجعل الله بها الروح في جسم آخر يتمتع به ويرزقه ، كما يشير الى ذلك الحديث القائل : «ان أرواح الشهداء في صور طيور خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة». وقيل : انها حياة الذكر الحسن والثناء بعد الموت ، وقيل ان المراد بالموت والحياة هنا الضلال والهدى ، وقيل انها حياة روحانية محضة.
ويرى الامام محمد عبده ان هذه الحياة حياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس ، بها يرزقون وينعّمون ، ولكننا لا نعرف
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٤.