حقيقتها ، ولا حقيقة الرزق الذي يكون بها ، ولا نبحث عن ذلك لانه من عالم الغيب الذي نؤمن به ونفوض الامر فيه الى الله تعالى.
وقد ورد في القرآن ما هو قريب من معناه من الآية الماضية ، وهو قول الله تعالى في سورة آل عمران :
«وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(١).
وفي سورة البقرة جاء قول الله عز شأنه :
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ»(٢).
ان هؤلاء القوم قد أصيبوا بالجبن فصارت حياتهم ضعيفة رخيصة كأنها لا حياة ، وقد تمكن أعداؤهم منهم ـ كما يفصل الحديث تفسير المنار ـ ففتك بهم ، ثم أحياهم بفضله ، والمراد بيان سنته تعالى في الامم التي تجبن عن مدافعة المعتدين عليها ، ومعنى موت هؤلاء القوم هو أن عدوهم نكل بهم فأذهب قوتهم ، وأزال استقلال أمتهم ، حتى صارت لا تعد أمة ، حيث تفرق شملها ، وذهبت جامعتها ، فكل من بقي من أفرادها تراهم خاضعين للغالبين ضائعين فيهم ، لا وجود لهم في أنفسهم ، بل وجودهم تابع لغيرهم ، وحياتهم هي عودتهم الى الاستقلال والعزة ، ومن رحمة الله أن يصيب الناس بالبلاء تمحيصا لهم وتطهيرا لنفوسهم مما أصابها
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩.
(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٤٣.