من دنس الرذائل والقبائح ، وقد أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الخوف والجبن والتخاذل فجمعوا كلمتهم ، حتى عادت اليهم وحدتهم القوية فخرجوا من ذل العبودية الى عزة الحرية ، وهكذا يموت أفراد باحتمال الذل والظلم حتى كأنهم أموات ، ويحيا أفراد بتدارك ما فات ، والاستعداد لما هو آت.
واطلاق «الحياة» على الحالة المعنوية الاخلاقية الشريفة في الامم والافراد شيء معروف مألوف في لغة العرب ، ومنه قوله تعالى :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ»(١).
وشتان ما بين حياة وحياة. ان لله عبادا يحيون الحياة الكريمة العظيمة التي تتألق فيها قلوبهم وارواحهم وعزائمهم ، وهناك أقوام يحيون حياة البهائم ، حسبهم الحس والحركة والاكل كما تأكل الانعام ، وهذا يذكرنا بقول الله تعالى عن اليهود في سورة البقرة :
«وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(٢).
وقد جاءت هذه الآية في اليهود الذين عرفهم الناس بحرصهم على الحياة ، حتى ولو كانت حياة شقية حقيرة ، فهم يتمنون من اعماقهم وبألسنتهم أن تطول أعمارهم ، وقد فاقوا في هذا الحرص سواهم من الناس
__________________
(١) سورة الانفال ، الآية ٢٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية ٩٦.