فسلوني». وجاء في الحديث الشريف : «ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس». وكان من عادة الرسول أن يقول في استفتاحه هذه الكلمات الدالة على غناه بربه ، وكفايته بخالقه ، فهو يقول فيها : «اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، واليك أنت ، وبك خاصمت ، واليك حاكمت».
وثمة حديث نبوي يحتل مركز الصدارة حين يدور الحديث عن الغنى بالله ، وهو قول رسول الله فيما يرويه البخاري : «ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس». فهو نص في أن المال ليس هو مقياس الغنى ، وان الغنى ليس الاستكثار من متاع الدنيا وزينة الحياة ، وكيف يصح هذا في العقول والقرآن الحكيم يستنكره حين يقول في سورة المؤمنون :
«أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ».
وها هو ذا ابن حجر في «فتح الباري» يربط بين الحديث الشريف والآية الكريمة فيقول : «خيرية المال ليست لذاته ، بل بحسب ما يتعلق به ، وان كان يسمى خيرا في الجملة ، وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيا لذاته ، بل بحسب تصرفه فيه ، فان كان في نفسه غنيا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات ، وان كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به ، خشية من نفاده ، فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى ، وان كان المال تحت يده ، لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الأخرى ، بل ربما كان وبالا عليه».
ولقد جاءت رواية عن أبي ذر يقول : «قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى؟. قلت : نعم. قال :
وترى قلة المال هو الفقر؟. قلت : نعم يا رسول الله. قال : انما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب».