ويتجه الطيبي متجها آخر في فهم الغنى هنا ، فيرى أنه يمكن أن يراد بغنى النفس حصولات الكمالات العلمية والعملية ، والى ذلك يشير القائل :
ومن ينفق الساعات في جمع ماله |
|
مخافة فقر ، فالذي فعل الفقر |
أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي ، وهو تحصيل الكمالات ، لا في جمع المال ، فانه لا يزداد بذلك الا فقرا.
ولكن الاظهر أن غنى النفس يحصل بغنى القلب ، بأن يفتقر الى ربه في جميع أموره ، كما يرجح ابن حجر ، فيتحقق أنه المعطي المانع ، فيرضى بقضائه ، ويشكره على نعمائه ، ويفزع اليه في كشف ضرائه ، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تبارك وتعالى.
* * *
ثم نطوف بساحة الصوفية الذين يشغلون أنفسهم بالارواح والقلوب ، فنجد لهم سهمهم في تصور الغنى بالله نجد أبا تراب النخشبي يقول : «حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك ، وحقيقة الفقر أن تفتقر الى من هو مثلك».
ويقبل يحيى بن معاذ ليقول شعرا في تحديد صفات الغنى بالله ، الغنى عمن سواه ، فيقول ـ فيما يقول عنه ـ هذه الابيات :
ومن الدلائل زهده فيما يرى |
|
من دار ذل والنعيم الزائل |
ومن الدلائل أن تراه مسلما |
|
كل الامور الى المليك العادل |
ومن الدلائل أن تراه راضيا |
|
بمليكه في كل حكم نازل |
ويحدثنا بعضهم عن خصال المقبلين على الله فيقول : «ثلاث خصال