أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً»(١).
فالله جل جلاله قد أوجد الليل والنهار ، يخلف كل واحد منهما صاحبه ، يتعاقبان ولا يفتران ، اذا ذهب هذا أقبل هذا ، واذا جاء هذا ذهب ذاك ، وانما جعلهما الله متعاقبين لعمل عباده الموصول ، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل ، وبذلك يعوض ما فاته أو ما فرط فيه ، وفي الحديث : «ان الله عزوجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل». وفي الحديث أيضا : «أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل».
والارادة قد تنزل في مستواها ، فلا تكون مفخرة لصاحبها ، وان حققت له شيئا من المتاع ، وقد تعلو وتسمو حتى تلحق بجناب الله ورحابه ، وهذا يذكرنا بقول الله تعالى في سورة الأحزاب :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»(٢).
وكانت ارادة نساء النبي ـ بعد التخيير ـ ارادة سامية عالية ، فقد صبرن على الضراء واللأواء. وأعرضن عن الدنيا ، وأردن الله ورسوله والدار الآخرة ، ولقد روت السيرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية ٦٢.
(٢) سورة الاحزاب ، الآيتان ٢٨ و ٢٩.