عقب نزول الآية الى السيدة عائشة رضي الله عنها ، وعرض عليها الأمر ، ونصحها ألا تجيب حتى تستشير أبويها ، ولكنها عجلت بالجواب ذاكرة أن الامر لا يحتاج الى مشاورة ، وقالت : بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأجابت الزوجات الطاهرات كلهن بمثل هذا الجواب ، رضوان الله عليهن.
وهكذا كانت كل منهن عندها الارادة الشخصية الكافية لتقرير الخطة واجابة السؤال.
وهذا هو سيدنا ورائدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام يضرب المثل الاعلى في الارادة القوية العازمة الحازمة حين يقف في وجه الشرك والكفر قائلا : «والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه».
* * *
ولقد تحدثت الصوفية عن «الارادة» على طريقتهم ، فورد عنهم أكثر من تعريف للارادة ، فهي عندهم «ترك العادة» ، أو «نهوض القلب في طلب الحق» أو هي «لوعة تهوّن كل روعة». ويقول الدقاقي : «الارادة لوعة في الفؤاد ، لذعة في القلب ، غرام في الضمير ، انزعاج في الباطن ، نيران تأجج في القلب». ويقول أبو محمد المرتعش : «الارادة حبس النفس عن مراداتها ، والاقبال على أوامر الله ، والرضا بموارد القضاء عليه». ولعل أقرب أقوال هؤلاء الى المعنى الاخلاقي هو من يقول ان الارادة هي مخالفة العادة ، أي ترك عادات النفس وشهواتها ورعوناتها ، والاقبال على هدى الله عزوجل.
ولقد تحدث القوم طويلا عن «المريد» ، وهو الذي شرع في السير الى الله ، وهم يرونه فوق «العابد» ودون «الواصل». ومن صفات