المريد عندهم التحبب الى الله بالنوافل ، والاخلاص في نصيحة الأمة ، والأنس بالخلوة ، والصبر على مقاساة الاحكام ، والايثار لأمر الله ، والحياء من نظره ، وبذل المجهود في محبوبه ، والتعرض لكل سبب يوصل اليه ، والقناعة بالخمول ، وعدم قرار القلب حتى يصل الى وليه ومعبوده.
وهم يرون ان الوقت أعز شيء على المريد ، ويغار عليه أن ينقضي دون أداء واجب فيه ، فان الوقت اذا فات لا يمكن استدراكه أبدا ، لأن الوقت التالي له واجب خاص يتعلق به ، فاذا فات فلا سبيل الى تداركه ، وهكذا : والاشتغال بالندم على وقت فائت تضييع لوقت حاضر ، ولذلك قيل : الوقت سيف ان لم تقطعه قطعك ، ومعنى هذا أن الارادة حركة مستمرة دائبة ، تدفع صاحبها على الدوام الى أداء واجب والقيام بتبعة.
والارادة تقوى بحياة القلب ، ولذلك يقول ابن القيم : «كلما كان القلب أتمّ حياة ، كانت همته أعلى ، وارادته ومحبته أقوى ، فان الارادة والمحبة تتبع الشعور بالمراد المحبوب ، وسلامة القلب من الآفة التي تحول بينه وبين طلبه وارادته ، فضعف القلب وفتور الهمة : اما من نقصان الشعور والاحساس ، واما من وجود الآفة المضعفة للحياة ، فقوة الشعور وقوة الارادة دليل على قوة الحياة ، وضعفها دليل على ضعفها.
وكما أن علو الهمة وصدق الارادة والطلب ، من كمال الحياة ، فهو سبب الى حصول أكمل الحياة وأطيبها ، فان الحياة الطيبة انما تنال بالهمة العالية والمحبة الصادقة والارادة الخالصة ، فعلى قدر ذلك تكون الحياة الطيبة ، وأخس الناس حياة أخسهم همة ، وأضعفهم محبة وطلبا ، وحياة البهائم خير من حياته كما قيل :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة |
|
وليلك نوم ، والردى لك لازم |
وتكدح فيما سوف تنكر غبة |
|
كذلك في الدنيا تعيش البهائم |
تسر بما يفنى ، وتفرح بالمنى |
|
كما غرّ باللذات في النوم حالم |