والمقصود ان حياة القلب بالعلم والارادة والهمة ، والناس اذا شاهدوا ذلك من الرجل قالوا : هو حي القلب. وحياة القلب بدوام الذكر وترك الذنوب ، كما قال عبد الله بن المبارك رحمهالله :
رأيت الذنوب تميت القلوب |
|
وقد يورث الذل ادمانها |
وترك الذنوب حياة القلوب |
|
وخير لنفسك عصيانها |
وهل أفسد الدين الا الملو |
|
ك ، وأحبار سوء ورهبانها |
وباعوا النفوس ولم يربحوا |
|
ولم يغل في البيع أثمانها |
فقد رتع القوم في جيفة |
|
يبين لذي اللب خسرانها» |
والقوم يرون أن المريد يتمكن من الارادة بثلاثة أمور ، هي صحة القصد ، وصحة العلم ، وسعة الطريق ، ويعلق ابن القيم على هذه الامور ، فيذكر أنه بصحة القصد من المريد يصح سيره ، وبصحة العلم ينكشف له الطريق ، وبسعة الطريق يهون عليه المسير ، وكل طالب أمر من الامور لا بد له من تعيين مطلوبه ، وهو المقصود ، ومعرفة الطريق الموصل اليه ، والأخذ في السلوك ، فمتى فاته أمر من هذه الامور لم يصح طلبه ولا سيره ، فالامر دائر بين مطلوب يتعين ايثاره على غيره ، وطلب يقوم بقصد من يقصده ، وطريق يوصل اليه.
فاذا تحقق العبد بطلب ربه وحده تعين مطلوبه ، فاذا بذل جهده في طلبه صح له طلبه ، فاذا تحقق باتباع أوامره واجتناب نواهيه صح له طريقه ، وصحة القصد والطريق موقوفة على صحة المطلوب وتعينه.
ويرى القوم أن الارادة الصادقة تشغل المريد عن ارادة أي شيء سوى الله تعالى ، ويحذرون المريد أن يريد السّوى ـ أي غير الله ـ وان علا ، والمرء يحجب عن الله بقدر ارادته لغيره. ولذلك قال الحق جلا حلاله اخبارا عن عباده المقربين :