وقال الله تعالى :
«وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً»(١).
فأخبر ان السعي المشكور سعي من أراد الآخرة ، وأصرح منها قوله لخواص أوليائه ، وهم أصحاب نبيه صلىاللهعليهوسلم ورضي عنهم في يوم أحد :
«مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(٢)
فقسمهم الى هذين القسمين اللذين لا ثالث لهما.
وقد غلط من قال : فأين من يريد الله؟ فان ارادة الآخرة عبارة عن ارادة الله تعالى وثوابه ، فارادة الثواب لا تنافس ارادة الله.
والقسم الثالث : من يريد من الله ولا يريد الله ، فهذا ناقص غاية النقص ، وهو حال الجاهل بربه ، الذي سمع أن ثمة جنة ونارا ، فليس في قلبه غير ارادة نعيم الجنة المخلوق ، لا يخطر بباله سواه البتة. بل هذا حال أكثر المتكلمين المنكرين رؤية الله تعالى ، والتلذذ بالنظر الى وجهه في الآخرة ، وسماع كلامه وحبه ، والمنكرين على من يزعم أنه يحب الله ، وهم عبيد الاجرة المحضة ، فهؤلاء لا يريدون الله تعالى وتقدس.
ومنهم من يصرح بأن ارادة الله محال ، قالوا : لأن الارادة انما تتعلق بالحادث ، فالقديم لا يراد. فهؤلاء منكرون لارادة الله غاية الانكار ، وأعلى الارادة عندهم ارادة الاكل والشرب والنكاح واللباس في الجنة
__________________
(١) سورة الاسراء ، آية ١٩.
(٢) سورة آل عمران ، ١٥٢.