وتوابع ذلك. فهؤلاء في شق ، وأولئك الذين قالوا : لم نعبده طلبا لجنته ، ولا هربا من ناره ، في شق ، وهما طرفا نقيض ، بينهما أعظم من بعد المشرقين.
وهؤلاء من أكثف الناس حجابا ، وأغلظهم طباعا ، وأقساهم قلوبا ، وأبعدهم عن روح المحبة والتأله ، ونعيم الارواح والقلوب ، وهم يكفّرون أصحاب المحبة والشوق الى الله والتلذذ بحبه ، والتصديق بلذة النظر الى وجهه وسماع كلامه بلا واسطة. وأولئك لا يعدونهم من البشر ، الا بالصورة ، ومرتبتهم عندهم مرتبة قريبة من مرتبة الجماد والحيوان البهيم ، وهم عندهم في حجاب كثيف عن معرفة نفوسهم وكمالها ، ومعرفة معبودهم وسر عبوديته. وحال الطائفتين عجب لمن اطلع عليه.
والقسم الرابع ـ وهو محال ـ أن يريد الله ولا يريد منه ، فهذا هو الذي يزعم هؤلاء أنه مطلوبهم ، وأن من لم يصل اليه ففي سيره علة ، وأن العارف ينتهي الى هذا المقام ، وهو أن يكون الله مراده ولا يريد منه شيئا ، كما يحكى عن أبي يزيد أنه قال : قيل لي : ما تريد؟ فقلت : أريد أن لا أريد.
وهذا في التحقيق عين المحال الممتنع عقلا وفطرة ، وحسا ومعنى ، فان الارادة من لوازم الحي ، وانما يعرض له التجرد عنها بالغيبة عن عقله وحسه ، كالسكر والاغماء والنوم ، فنحن لا ننكر التجريد عن ارادة ما سواه من المخلوقات التي تزاحم ارادتها ارادته. أفليس صاحب هذا المقام مريدا لقربه ورضاه ودوام مراقبته والحضور معه؟ وأي ارادة فوق هذه؟.
نعم قد زهد في مراد لمراد هو أجل منه وأعلى ، فلم يخرج عن الارادة ، وانما انتقل من ارادة الى ارادة ، ومن مراد الى مراد ، وأما خلوه عن الارادة بالكلية مع حضور عقله وحسه فمحال. وان حاكمنا في ذلك محاكم الى ذوق مصطلم مأخوذ عن نفسه ، فان عن عوالمها ، لم ننكر ذلك ، لكن هذه