حال عارضة غير دائمة ، ولا هي غاية مطلوبة للسالكين ، ولا مقدورة للبشر. ولا مأمور بها ، ولا هي أعلى المقامات ، فيؤمر باكتساب أسبابها ، فهذا فصل الخطاب في هذا الموضع. والله سبحانه وتعالى أعلم».
وفي مجال الحديث عن الارادة نتذكر الاثر السائر : «ان لله عبادا اذا أرادوا أراد». واذا كان هناك من يشطح في تفسير هذا الاثر شطحا غير مقبول ولا معقول ، فنحن نفهمه على أن عباد الله الابرار يستجيبون لربهم ، ويتقيدون بأمره ، ويخضعون ارادتهم لارادته ، فلا يكون منهم الا ما يرضيه ، فكأن ارادة الله هي ارادتهم. ونحن نفهم هذا الفهم في ضوء الحديث القدسي المروي عن رب العزة جل جلاله ، وقد رواه البخاري في صحيحه ، وهو «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب اليّ عبدي بشيء أحب اليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى أحبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا اكره مساءته».
والمراد بالولي في هذا الحديث هو العالم بالله ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته ، المريد لوجهه ، والمراد بالنوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها مكملة لها ، فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة. ولقد أشار القشيري الى معنى التقرب حين قال : «قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ، ثم باحسانه ، وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه ، وفي الآخرة من رضوانه ، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه». ومثل هذا لا يريد الا ما يريده الله ، فارادته معلقة بارادة الله ، فاذا أراد فكأن الله أراد.
رزقنا الله استقامة الارادة وعلوها ، حتى لا نبعد عن حمى أولئك الابرار الاطهار.