ولقد وصفت السيدة عائشة أباها أبا بكر بأنه «صفوح عن الجاهلين» أي كثير الصفح والتجاوز عنهم.
وكذلك روي أن معاوية قال لابنه : «عليك بالحلم والاحتمال ، حتى تمكنك الفرصة ، فاذا أمكنتك فعليك بالصفح ، فانه يدفع عنك مضلات الامور ، ويوقيك مصارع المحذور».
وقال المأمون : «وجدت المسيء اليّ عبد الله ، ولو أساء اليّ عبد لأخ لصفحت عنه اكراما له ، فكيف لا أصفح عن عبد مسيء هو عبد لله»؟.
وهكذا توالت الكلمات المشرقة المضيئة على ألسنة الأعلام الحكماء ، تمجد الصفح وتنوه بشأنه ، ولم يقتصر هذا على النثر ، بل زان روضة الشعر ، ففي الشعر العربي نماذج كثيرة قيلت في الصفح والتمدح به والدعوة اليه ، فهذا أحد الشعراء يقول في انسان يمدحه :
صفوح عن الاجرام ، حتى كأنه |
|
من العفو لم يعرف من الناس مجرما |
وليس يبالي أن يكون به الأذى |
|
اذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما |
وهذا ثان يحبب في الصفح ، فيقول :
أتيت ذنبا عظيما |
|
وأنت أعظم منه |
فخذ بحقك ، أو لا |
|
فامنن بصفحك عنه |
وهذا ثالث يتغنى بمدح من تعود الصفح فيقول :
فدهره يصفح عن قدرة |
|
ويغفر الذنب على علمه |
كأنه يأنف من أن يرى |
|
ذنب امرىء أعظم من حلمه |
وهذا رابع يقول في صفوح آخر :
يعفو عن الذنب العظيم |
|
وليس يعجزه انتصاره |