وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»»(١).
هنا يتحدث القرآن الكريم على طريقة التعجب والانكار ، فيقول لهم : كيف تنحرفون عن الايمان ، وأنتم تسمعون القرآن العظيم يتلى عليكم ، وفيكم رسول الله محمد ، ترونه وتشاهدونه.
ويدخل في هذا الخطاب من لم ير النبي ، لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته. ويجوز أن يكون الخطاب لصحابة النبي خاصة ، لأن رسول الله كان فيهم وكانوا يشاهدونه. وقيل : ان هاهنا أمرين جليلين : كتاب الله ونبي الله ، فأما النبي فقد مضى الى ربه ، واما كتاب الله فباق قائم : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ». وقد أبقاه الله رحمة منه ونعمة ، فيه بيان الحلال والحرام ، والطاعة والمعصية.
ومن يعتصم بالله ، ويتمسك بدينه وطاعته ، فقد وفقه ربه ، وأرشده الى الصراط المستقيم ، ثم أمر الله المؤمنين بأن يتقوه حق تقواه ، بأن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يجاهد المؤمن في سبيل ربه حق الجهاد ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وأبنائهم ، ويا لها من تقوى مثالية ، ولذلك تلطف الله بعباده ، فقال في مقام آخر : «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ». وأمرهم كذلك أن يعتصموا جميعا بحبل الله ، وهو القرآن ، أو الدين ، أو الجماعة ، أو عهد الله ، أو طاعة الله ، وحذرهم التفرق والتمزق لأن الفرقة هلكة ، والجماعة نجاة ، وابن المبارك يقول :
ان الجماعة حبل الله فاعتصموا |
|
منه بعروته الوثقى لمن دأبا |
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠١ ـ ١٠٣.