واذا كانت آراء المفسرين قد تعددت في المراد بحبل الله هنا ، فان للاستاذ الامام محمد عبده عبارة يقرر فيها أن الأشبه بأسلوب القرآن الجليل أن تكون العبارة تمثيلا ، كأن الدين في سلطانه على النفوس ، واستيلائه على الارادات ، وما يترتب على ذلك من جريان الأعمال على حسب هديه ـ حبل متين يأخذ به الآخذ فيأمن السقوط ، كأن الآخذين به قوم على مكان مرتفع من الارض يخشى عليهم السقوط منه ، فأخذوا بحبل متين ، جمعوا به قوتهم فامتنعوا من السقوط.
ويقول السيد رشيد رضا : «ان المختار هو ما ورد في الحديث المرفوع من تفسير حبل الله بكتابه ، ومن اعتصم به كان آخذا بالاسلام ، ولا يظهر تفسيره بالجماعة والاجتماع ، وانما الاجتماع هو نفس الاعتصام ، فهو يوجب علينا أن نجعل اجتماعنا ووحدتنا بكتابه ، عليه نجتمع ، وبه نتحد ، لا بجنسيات نتبعها ، ولا بمذاهب نبتدعها ، ولا بمواضعات نضعها ، ولا بسياسات نخترعها ، ثم نهانا عن التفرق والانفصام ، بعد هذا الاجتماع والاعتصام ، لما في التفرق من زوال الوحدة ، التي هي معقد العزة والقوة ، وبالعزة يعتز الحق فيعلو في العالمين ، وبالقوة يحفظ هو وأهله من هجمات المواثبين وكيد الكائدين.
فهذا الامر والنهي في معنى الامر والنهي في قوله تعالى : «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» فجعل الله هو صراطه وسبيله».
ويؤكد القرطبي أن الله تعالى قد أوجب علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه ، والرجوع اليهما عند الاختلاف ، وأمرنا الله بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا ، وذلك سبب اتفاق الكلمة ، وانتظام الشتات الذي تتم به مصالح الدنيا والدين.
وينبغي أن نتذكر أن فضيلة «الاعتصام» قد تكون فضيلة فردية