أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»(١).
فالله تعالى يخبر عن الشهداء بأنهم ـ وان قتلوا في هذه الدار ـ فان أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار.
وقد كان أحدهم يجاهد في سبيل الله ، ليبلّغ دعوة الله ، فيضرب بالرمح في جنبه حتى يخرج من الشق الآخر فيفرح بفضل الله عليه ويقول الله أكبر فزت وربّ الكعبة!. وفي السنة أن الشهداء ، عند ربهم حينما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت اخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب. فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى الآيات : «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ...». وهم فرحون بما هم فيه من الفضل والنعمة والغبطة ، ويستبشرون باخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله ، لأنهم يقدمون عليهم ، ولا يخافون مما أمامهم ، ولا يحزنون على ما تركوا وراءهم.
ويقول أحد البصراء من المفسرين في تحليل هذا النص الكريم : «فهؤلاء ناس منا يقتلون ، وتفارقهم الحياة التي نعرف ظواهرها ، ويفارقون الحياة كما تبدو لنا من ظاهرها ، ولكن لأنهم قتلوا في سبيل الله ، وتجردوا له من كل الاعراض والاغراض الجزئية الصغيرة ، واتصلت أرواحهم بالله ، فجادوا بأرواحهم في سبيله ، لأنهم قتلوا كذلك ، فان الله ـ سبحانه ـ يخبرنا في الخبر الصادق أنهم ليسوا أمواتا ، وينهانا أن نحسبهم كذلك ، ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده ، وانهم يرزقون فيتلقون رزقه لهم استقبال الاحياء ، ويخبرنا كذلك بما لهم من خصائص الحياة الاخرى : «فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ».
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩ ـ ١٧٠.