من حيث هي هي ، بل يجب أن يفرح بها من حيث انها من الله تعالى وبفضل الله ورحمته ، ولهذا قال الصديقون : «من فرح بنعمة الله من حيث انها تلك النعمة فهو مشرك ، وأما من فرح بنعمة الله من حيث انها من الله ، كان فرحه بالله ، وذلك هو غاية الكمال ونهاية السعادة».
ويعلق على الآية ذاتها أحد البصراء من المفسرين فيقول : «فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده ، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الايمان ... فبذلك وحده فليفرحوا ، فهذا الذي يستحق الفرح ، لا المال ولا أعراض هذه الحياة ، ان ذلك هو الفرح العلوي الذي يطلق النفس من عقال المطامع الارضية والاعراض الزائلة ، فيجعل هذه الاعراض خادمة للحياة لا مخدومة ، ويجعل الانسان فوقها وهو يستمتع بها ، لا عبدا خاضعا لها.
والاسلام لا يحقر أعراض الحياة الدنيا ليهجرها الناس ويزهدوا فيها ، انما يحقرها ليستمتع بها الناس وهم أحرار الارادة طلقاء اليد ، مطمحهم أعلى من هذه الاعراض ، وآفاقهم أسمى من دنيا الارض. الايمان عندهم هو النعمة ، وتأدية مقتضيات الايمان هو الهدف ، والدنيا بعد ذلك مملوكة لهم ، لا سلطان لها عليهم».
* * *
ويقول الله تعالى في سورة آل عمران :
«وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ