«قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ». ونسوقه لنفاسته مع تصرف يسير : المقصود من الآية الاشارة الى ما قرره حكماء الاسلام من ان السعادات الروحية أفضل من السعادات الحسية ، وقوله تعالى «فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» يفيد الحصر ، أي لا يليق أن يفرخ الانسان الا بذلك ، لأن اللذات الحسية لا معنى لها الا دفع الآلام ، وهذا معنى عدمي ، والمعنى العدمي لا يستحق أن يفرح به. وكذلك نجد أن التضرر بآلام اللذات الجسمية أقوى من الانتفاع بلذاتها ، كما انه لا سبيل الى تحصيل لذات الجسم ، الا عن طريق البطن والفرج ، وأما الآلام فان كل جزء من أجزاء بدن الانسان معه نوع من الآلام. واللذات الجسمية لا تكون خالصة البتة ، بل تكون ممزوجة بأنواع من المكاره. واللذات الجسمية لا تكون باقية ، فكلما كان الالتذاذ بها أكثر كانت الحسرات الحاصلة من خوف فواتها أكثر ، ولذلك قال المعري :
ان حزنا في ساعة الموت أضعا |
|
ف سرور في ساعة الميلاد |
فمن المعلوم ان الفرح الحاصل عند حدوث الولد لا يعادل الحزن الحاصل عند موته.
ونرى اللذات الجسمية حال حصولها ممتنعة البقاء لأن لذة الاكل لا تبقى بحالها بل كلما زال ألم الجوع زال الالتذاذ بالاكل ، ولا يمكن استبقاء هذه اللذة.
كما ان الالتذاذ باللذات الجسمانية التذاذ بأشياء خسيسة ، فانها التذاذ بكيفيات حاصلة في أجسام سريعة الفساد مستعدة للتغير ، وأما اللذات الروحانية فانها بضد ذلك ، فثبت أن الفرح باللذات الجسمانية فرح باطل ناقص ، وأما الفرح الكامل فهو الفرح بالروحانيات.
ومن الواجب على العاقل حين تحصل له اللذات الروحية ألا يفرح بها