فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة ، وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة.
فأخبر سبحانه أن ما آتى عباده من الموعظة ـ التي هي الامر والنهي ، المقرون بالترغيب والترهيب ، وشفاء الصدور المتضمن لعافيتها من داء الجهل والظلمة والغي والسفه ، وهو (أي الجهل) أشد ألما لها من أدواء البدن ، ولكنها لما ألفت هذه الادواء لم تحس بألمها ، وانما يقوى احساسها بها عند المفارقة للدنيا ، فهناك يحضرها كل مؤلم محزن ، وما أتاها من ربها هو الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين ، وطمأنينة القلب به ، وسكون النفس اليه ، وحياة الروح به ، والرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة ، وتدفع عنها كل شر ومؤلم.
فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها ، أي هذا هو الذي ينبغي أن يفرح به ، ومن فرح به فقد فرح بأجلّ مفروح به ، لا ما يجمع أهل الدنيا منها ، فانه ليس بموضع للفرح ، لأنه عرضة للآفات ، ووشيك الزوال ، ووخيم العاقبة ، وهو طيف خيال زار الصب في المنام ، ثم انقضى المنام ، وولى الطيف ، وأعقب مزاره الهجران».
ويرى الامام أن فضل الله هو الاسلام والايمان ، وأن رحمته هي العلم والقرآن ، والله يحب من عبده أن يفرح بذلك ويسرّ به ، بل يحب من عبده أن يفرح بالحسنة اذا عملها وأن يسرّ بها ، وهو في الحقيقة فرح بفضل الله ، حيث وفقه الله لها ، وأعانه عليها ويسرها له ، ففي الحقيقة انما يفرح العبد بفضل الله ورحمته.
ومن أعظم مقامات الايمان الفرح بالله والسرور به ، فيفرح به اذ هو عبده ومحبه ، ويفرح به سبحانه ربا والها ، ومنعما ومربيا.
وللامام الفخر الرازي في تفسيره بيان نفيس حول هذه الآية السابقة :