«قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ».
أي بهذا الذي جاءهم من الله تعالى من الهدى ودين الحق فليفرحوا ، فانه أولى ما يفرحون به ، وهو أفضل مما يجمعون من حطام الدنيا ، وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة. ويؤيد هذا الفهم أن الآية التي سبقت هذه الآية تقول : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ».
ويروى أنه حينما قدم خراج العراق الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جعل عمر يعد الابل ، فاذا هي كثيرة كثيرة ، فجعل يردد قوله : الحمد لله تعالى. فقال تابع عمر : هذا والله من فضل الله ورحمته ، فرد عليه عمر قائلا : «هذا مما يجمعون ، لأن الله تعالى يقول : «هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»».
وقد تعرض ابن القيم لهذه الآية فذكر ان الله تعالى قد أمر عباده بالفرح بفضله ورحمته ، وذلك تبع للفرح والسرور بصاحب الفضل والرحمة سبحانه ، فان من فرح بما يصل اليه من جواد كريم محسن برّ ، يكون فرحه بمن أوصل اليه ذلك أولى وأحرى. وفضل الله ـ كما قيل ـ هو الاسلام ، ورحمته هي القرآن ، وفضل الاسلام فضل عام على جميع أتباعه ، ورحمته بتعليم قرآنه لبعضهم دون بعض فضل خاص ، فالله جعلهم مسلمين بفضله ، وأنزل اليهم كتابه برحمته ، كما قال : «وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ».
ثم قال ابن القيم : «وذكر سبحانه الامر بالفرح بفضله ورحمته عقيب قوله «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ». ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من