الشكر. والثانية داخلة في معنى الشكر ، من حيث انه فرح بالمنعم ، ولكن لا من حيث ذاته ، بل من حيث معرفته عنايته التي تستحثه على الانعام في المستقبل ، وهذا حال الصالحين الذين يعبدون الله ويشكرونه ، خوفا من عقابه ورجاء ثوابه. وانما الشكر التام في الفرح الثالث ، وهو أن يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى ، من حيث انه يقدر بها على التوصل الى القرب منه تعالى ، والنزول في جواره ، والنظر الى وجهه على الدوام ، فهذا هو الرتبة العليا ، وأمارته ألا يفرح من الدنيا الا بما هو مزرعة للآخرة ، ويعينه عليها ، ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله تعالى. وتصده عن سبيله ، لأنه ليس يريد النعمة لأنها لذيذة ، كما لم يرد صاحب الفرس الفرس لأنه جواد ومهملج ، بل من حيث انه يحمله في صحبة الملك ، حتى تدوم مشاهدته له ، وقربه منه ، ولذلك قال الشبلي رحمهالله : الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة. وقال الخواص رحمهالله : شكر العامة على المطعم والملبس والمشرب ، وشكر الخاصة على واردات القلوب. وهذه رتبة لا يدركها كل من انحصرت عنده اللذات في البطن والفرج ، ومدركات الحواس من الالوان والاصوات ، وخلا عن لذة القلب ، فان القلب لا يلتذ في حالة الصحة الا بذكر الله ومعرفته ولقائه».
* * *
هذا وينبغي للمؤمن حين يفرح بفضل الله ورحمته أن يحذر مكر الله سبحانه ، لأن الفرح قد يجعل صاحبه ينسى المنعم وهو الله ، فيكون ذلك سببا لسلب النعمة ، ولو بلغ العبد من الطاعة ما بلغ لا ينبغي له أن يفارقه الحذر ، فالفرح متى كان بالله ، وبما من الله به ، مقارنا للخوف والحذر ، لم يضر صاحبه ، ومتى خلا من الحذر ضر وأفسد.
وها هو ذا كتاب الله جل جلاله يشير الى ألوان من الفرح المنحرف الضار ، فيقول مثلا في سورة الانعام :