ويعلق الزمخشري على الآيتين السابقتين ، بما يلقي ضوءا على معناهما ومفهومهما فيقول على طريقته :
«وبيانه أن يقال : هل لزيد مال وبنون؟. فتقول : ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفي المال والبنين عنه ، واثبات سلامة القلب له ، بدلا عن ذلك.
وان شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى الا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه.
ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف وهو الحال ، والمراد بها سلامة القلب ، وليست هي من جنس المال والبنين ، حتى يؤول المعنى الى أن المال والبنين لا ينفعان ، وانما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى ، وقد جعل «من» مفعولا لينفع ، أي لا ينفع مال ولا بنون الا رجلا سلم قلبه مع ماله ، حيث أنفقه في طاعة الله ، ومع بنيه حيث أرشدهم الى الدين وعلمهم الشرائع.
ويجوز على هذا : الا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين ، ومعنى سلامة القلب سلامته من آفات الكفر والمعاصي».
* * *
ويقول القرآن الكريم في سورة الصافات متحدثا عن نوح وابراهيم :
«وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(١).
أي ان من شيعة نوح وأهل دينه ابراهيم عليهالسلام الذي أقبل على ربه بقلب سليم عامر بالتوحيد والخير ، نقي من الشرك والاثم ، خالص من
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية ٨٣ ـ ٨٤.