ينتشر على الجوارح من العبادة أنواره ، وهو الذي اذا عرفه الانسان عرف نفسه ، واذا عرف نفسه عرف ربه سبحانه وتعالى.
واذا سيطر الشيطان على هذا القلب أفسده وأضله ، وأفقده سلامته وطهارته ، وللشيطان مداخله الكثيرة الى هذا القلب لافساده ، وقد توسع أبو حامد كثيرا في بيان مداخل الشيطان على قلب الانسان ، والآفات التي تفقده سلامته ، ومنها الغضب والشهوة ، والحسد والحرص ، والاسراف في الطعام ، وحب التزين ، والعجلة وترك التثبت في الامور ، والمال واغراؤه ، والبخل وخوف الفقر ، والتعصب للمذاهب والآراء ، وسوء الظن بالمسلمين ، والمعاصي والآثام التي تسبب كدورة على وجه القلب تمنع صفاءه وجلاءه ...
ومعنى هذا أن القلوب معرضة لخواطر الخير ووساوس الشر ، ولذلك جاء في «الاحياء» :
«وأخص الآثار الحاصلة في القلب هو الخواطر ، وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الافكار والاذكار ، وأعني به ادراكاته علوما اما على سبيل التجدد ، واما على سبيل التذكر ، فانها تسمى خواطر ، من حيث انها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها. والخواطر هي المحركات للارادة ، فان النية والعزم والارادة ، انما تكون بعد خطور المنوي بالبال لا محالة ، فمبدأ الافعال الخواطر ، ثم الخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم ، والعزم يحرك النية ، والنية تحرك الاعضاء.
والخواطر المحركة للرغبة تنقسم الى ما يدعو الى الشر ، أعني الى ما يضر في العاقبة ، والى ما يدعو الى الخير ، أي الى ما ينفع في الدار الآخرة ، فهما خاطران مختلفان ، فافتقرا الى اسمين مختلفين ، فالخاطر المحمود يسمى الهاما ، والخاطر المذموم ـ أعني الداعي الى الشر ـ يسمى وسواسا.