«وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً» (١).
واستشهد بأن السري قال لاصحابه : أتدرون ما هذا الحجاب؟ حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله. ان الله تعالى لم يجعل الكفار ، أهلا لفهم كلامه ، ولا أهلا لمعرفته وتوحيده ومحبته ، فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجابا مستورا عن العيون ، غيرة عليه أن يناله من ليس أهلا له.
وكذلك عقد الهروي في كتابه «منازل السائرين» فصلا جعل عنوانه : «باب الغيرة» استشهد فيه بقول الله عزوجل حاكيا عن نبيه سليمان عليهالسلام : «ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق» وأوضح ابن القيم وجه الاستشهاد بالآية الكريمة ، فذكر ان سليمان عليهالسلام كان يحب الخيل ، فشغله استحسانها والنظر اليها ـ لما عرضت عليه ـ عن صلاة النهار ، حتى توارت الشمس بالحجاب ، فلحقته الغيرة لله من الخيل ، اذ استغرقه استحسانها والنظر اليها عن الخدمة لمولاه وأداء حقه ، فقال : «ردوها عليّ» ، فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف غيرة لله تعالى.
والغيرة كما يرى ابن القيم نوعان : غيرة من الشيء ، وهي كراهية الانسان مزاحمة الشيء له ومشاركته له في محبوبه ، وغيرة على الشيء ، وهي شدة حرص الانسان على المحبوب ، لخوفه ان يفوز به غيره ، أو يشاركه في الفوز به.
والغيرة أيضا عند رجال القلوب والارواح نوعان ، غيرة الحق تبارك وتعالى على عبده ، وغيرة العبد لربه. فغيرة الله على عبده هي أن لا يجعله
__________________
(١) سورة الاسراء ، الآية ٤٥.