يسلم ولم يستأذن ، فقال له النبي ارجع فقل السّلام عليكم أأدخل؟ وينبغي للمستأذن ان يحدث من الصوت او الحركة ما يشعر به ، كالتنحنح ونحوه ، واذا لم يجد المستأذن أحدا في البيت رجع من حيث جاء فذلك ازكى له وأطهر.
والاستئذان عند دخول البيوت والاستئناس بأهلها والتسليم عليهم أدب من آداب السّلام ، وقد جعل الله البيوت ـ كما في ظلال القرآن ـ سكنا يفيء اليها الناس فتسكن أرواحهم وتطمئن نفوسهم ، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم ، ويلقون اعباء الحذر والحرص المرهقة للاعصاب. والبيوت لا تكون كذلك الا حين تكون حرما آمنا لا يستبيحه أحد الا بعلم أهله واذنهم ، وفي الوقت الذي يريدون ، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس. ذلك الى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان ، تجعل أعينهم تقع على عورات ، وتلتقي بمفاتن الشهوات ، وتهيء الفرصة للغواية الناشئة من اللقاءات العابرة والنظرات الطائرة ... والاستئذان على البيوت يحقق لها حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكنا ، ويوفر على أهلها الحرج من المفاجأة ، والضيق بالمباغتة ، والتأذي بانكشاف العورات وهي كثيرة ، منها عورات البدن ، وعورات الطعام ، وعورات اللباس ، وعورات الاثاث ، التي قد لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ وتجمل واعداد ، وهي عورات المشاعر والحالات النفسية ، فبعض الناس لا يحب ان يراه الناس وهو في حالة ضعف يبكي لانفعال مؤثر ، أو يغضب لشأن مثير ، أو يتوجع لألم يخفيه عن الغرباء.
وكل هذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الادب الرفيع. أدب الاستئذان ، ويرعى معها تقليل فرص النظرات السانحة والالتقاءات العابرة ، التي طالما أيقظت في النفوس كامن الشهوات والرغبات ، وطالما نشأت عنها علاقات ولقاءات يدبرها الشيطان.