الآخرة غير ارادة الناس ، ودعاؤهم غير دعاء الناس». وسئل عن أفضل الاعمال فبكى وقال : «أن يطلع على قلبك فلا يراك تريد من الدنيا والآخرة غيره».
وقال يحيى بن معاذ : «الزاهد غريب الدنيا ، والعارف غريب الآخرة». يشير الى أن الزاهد غريب بين أهل الدنيا ، والعارف غريب بين أهل الآخرة ، لا يعرفه العباد ولا الزهاد ، وانما يعرفه من هو مثله ، وهسته كهمته.
وربما اجتمعت للعارف هذه الغربات كلها ، أو كثير منها ، أو بعضها فلا يسأل عن غربته حينئذ ، فالعارفون ظاهرون لاهل الدنيا والآخرة ، قال يحيى بن معاذ : «العابد مشهور ، والعارف مستور». وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حالته ، واساءة الظن بنفسه. قال ابراهيم بن أدهم : «ما أرى هذا الامر الا في رجل لا يعرف ذلك من نفسه ولا يعرفه الناس».
واذا انتقلنا الى روضة الحديث النبوي وجدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام يوصي عبد الله بن عمر بقوله : «كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل» ، ويقول في حديث آخر : «طوبى يومئذ للغرباء اذا فسد الناس». وفي حديث آخر : «ان أحب شيء الى الله الغرباء. قيل ومن الغرباء؟ قال الفرارون بدينهم ، يجتمعون الى عيسى ابن مريم عليهالسلام يوم القيامة».
وقد كثر في كلام السلف مدح السنة ووصفها بالغربة ، ووصف أهلها بالقلة. فهذا يونس بن عبيد يقول : «ليس شيء أغرب من السّنّة ، وأغرب منها من يعرفها». وهذا سفيان الثوري يقول : «استوصوا بأهل السنة خيرا ، فانهم غرباء». وللامام ابن القيم أبيات أشار فيها الى الغربة منها قوله :