والناس فيها مختلفون ، فواحد يقوي قلبه بموعود نصره. وآخر يقوي قلبه بأن الحق عالم بحاله ، وآخر يقوي قلبه لتحققه بأن يشهد من ربه. قال تعالى : «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» وآخر يقوي قلبه باثار رضاء الله تعالى على مراد نفسه ، وآخر يقوي قلبه برضاه بما يفعله مولاه به. ويقال أقوى محبة للعبد في مجاهدة العبد ، وتبريه من حوله وقوته».
ونعود الى «ظلال القرآن» في تفسير الآية أيضا ، لنجده يقول : «الاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد ، والنص يأمر باعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها ، ويخص رباط الخيل بأنه الاداة التي كانت بارزة عند من يخاطبهم بهذا القرآن أول مرة ، ومع ذلك فما يزال رباط الخيل ضروريا في كثير من المواقع التي يعسر الوصول اليها بوسائل الحرب الحديثة. والمهم هو عموم النص واتجاهه الى اعداد كل قوة مستطاعة ، ومنها قوة العقيدة والتربية والخلق والتنظيم ، فالوسائل المادية وحدها ليست هي التي تفصل في المعارك ، والاعصاب أحيانا تكون هي القوة الفاصلة ، وما يثبت الاعصاب ويقويها كالعقيدة التي تربط القلوب بالله ، وتصل قوة المجاهدين بالقوة الكبرى التي لا تغلب ، وتمد الارواح بالينبوع الدافق الذي لا ينضب.
ويحسن أن نعرف حدود التكليف باعداد القوة ، فالنص يقول :
«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ» (١).
واذن فليس المقصود اعداد قوة مماثلة لقوة الاعداء. وفريضة الجهاد لا تنتظر حتى يتم اعداد قوة مماثلة. ان ذلك أمر يطول ، وقد لا يجيء أبدا. ولو انتظر المسلمون بغزوة بدر حتى تتكافأ قوتهم وقوة
__________________
(١) سورة الانفال ، الآية ٦٠.