فذكر اقسام الخلق الثلاثة : شاكر النعمة المثني بها ، والجاحد لها والكاتم لها ، والمظهر أنه من أهلها ، وليس من أهلها ، فهو متحل بما لم يعطه.
وفي أثر آخر مرفوع : «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب».
والقول الثاني : ان التحدث بالنعمة المأمور به في هذه الآية : هو الدعوة الى الله ، وتبليغ رسالته ، وتعليم الامة. قال مجاهد : هي النبوة.
قال الزجاج : أي بلّغ ما ارسلت به ، وحدّث بالنبوة التي آتاك الله. وقال الكلبي : هو القرآن ، أمره أن يقرأه.
والصواب انه يعم النوعين ، اذ كل منهما نعمة مأمور بشكرها ، والتحدث بها. واظهارها من شكرها.
وضد التحدث بالنعمة هو جحود النعمة وانكارها. والجحود رذيلة من أقبح الرذائل ، وخصوصا اذا كانت النعمة من الله تبارك وتعالى ، والقرآن الكريم يقول في سورة النحل عن اخساء من الناس :
«يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ» (١).
أي يعرفون نعم الله الكثيرة الغزيرة التي أنعم بها عليهم ، أي يعرفون أنها من عند الله تبارك وتعالى ، ثم لا يتحدثون بها ، ولا ينسبونها الى خالقها وواهبها ، بل يقولون ، انهم ورثوا عن آبائهم. أو قد عرّفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذه النعم وقررهم بها ، فأقروا ، ولكنهم قالوا انها جاءت بشفاعة أهلنا ، أو هم يعرفون نعم الله تعالى ، لأنهم يتمتعون بها
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ٨٣.